الشعر أم الرياضيات...من على حق ؟ | قصة في مدينتين

في دمشق…

عبق النارنج المتسلسل إلى غرفة إبراهيم كفيل بأن يدعوه للاستيقاظ والوقوف قليلا أمام نافذته، ليتداخل معه رائحة القهوة التي أعدها أبو سليم، لترافقه بصوته الصباحي، " القهوة صارت جاهزة يا نحات، ومعها حبة هال". لدى أبو سليم أسئلة عديدة في رأسه، "من أين ستبدأ اليوم؟"، السؤال كان قبل أن ينهي إبراهيم أول رشفة قهوة، " سأحاول زيارة بعض المعابد للتعرف على الطقوس"، الجواب كان كفيلا لينطلق صاحب الفندق بسيل من التساؤلات. 

أبو سليم: أنت تحب البحث في الاديان؟

إبراهيم: لست باحثا بالدين، لكن يجذبني كيف تتعاطى مختلف الشعوب مع الايمان

أبو سليم: أخبرني عن أحدها؟

يضع إبراهيم فنجان القهوة على الطاولة ويطلب منه الاقتراب، " هناك كتاب الحكمة الصينية، يدعى التاو أي الطريق، لديهم نظرية تقول، ليس كل شيء أبيض أو أسود، داخل الظروف الجيدة قد يكون هناك شر، وفي الاوقات العصيبة هناك أمل، هي دائرة تتبادل فيها الادوار، مثل الفنجان، حبة الهال نقطة مضيئة في السواد المحيط بها، حين تفرغ من الفنجان، تصبح حبة الهال نقطة سوداء في محيط أبيض ".

أبو سليم: حسبما أسمع هناك شعوب غير مؤمنة؟

إبراهيم: لا أوافق على هذا القول، كل إنسان مؤمن، حتى من يقول أنه لا يتبع طريقة معينة، فهو مؤمن بطريقته هو

أبو سليم: ومن على حق ؟

إبراهيم: كل جهة تقول أنها على الحق، وبرأي أننا جميعا جزء من الحقيقة

أبو سليم: تتحدث عن الايمان، ولكنك تبحث في طقوس دفن الموتى، تتناقض في حديثك!

إبراهيم: أبدا، القناعة لدي هي الايمان والعوامل النفسية هي المهمة، لكن الطقوس هي تعبر عن الايمان، ليس فقط في الحياة الثانية، إنما عن حياتنا التي نعرفها

أبو سليم: ومن سيحدد الخير من الشر؟ 

إبراهيم: ما تراه خيرا اليوم كان شرا الامس، وما يراه ساكن الغرب صالحا يجده ساكن الشرق طالحا 

أبو سليم: أنت تؤمن؟ وكيف تؤمن؟

إبراهيم: كيف، لا يمكنني تحديد الاسلوب، لكن مؤمن لأنه يساعدني على البحث عن جواب، لماذا انا موجود وما هدف الحياة

يقطع حديثهم صوت جار أبو سليم يناديه حاملا لها بعض أرغفة الخبز، ليعود أبو سليم وينظر إلى إبراهيم، ويقول “ لقد تذكرني جاري بالخبز، لم أطلب منه شراءها، بالنسبة لي وعلى عكسك، لست بحاجة للبحث كثيرا لدى الشعوب  وصياغة كلمات من الشعر لتفسيرها، هذه الارغفة المصنوعة بحب ومن جاء بها بحب، هي جزء من الايمان اليومي  ”. يبتسم إبراهيم،  يدرك أن الحب هو الاهم، لكنه في بعض الاحيان لا يكفي… 

في بيروت..

بين أوراق أبحاثها تستغرق رشا في النوم، رأسها على الطاولة، تستيقظ على قرع الباب، لتكون السيدة سعاد زائرتها الصباحية، حاملة معها معجنات، تستقبلها رشا بعد محاولة وضع كتبها على سريرها إفساحا بالمجال للفطور.

" كتب في الرياضيات والفيزياء، اعتقدت أنك مهتمة فقط بالاساطير؟"، تردد السيدة سعاد سؤالها ناظرة لها من بعيد وهي تتناول طعامها، " أبحث من منطلق البحث العلمي، ليس من منطلق الغيبيات فقط "، توضح لها رشا سبب قراءتها الكتب العلمية.

سعاد: ما هي أكثر العلوم التي تحبينها؟

رشا: الفضاء، هو عالم رائع من الابحاث والنظريات

سعاد: هل هناك نظرية معينة تعتقدين بها؟

رشا: مطلقا، العلم يساعدني أن أبقى في بحث دائم، فكل نظرية ليست حقيقة مطلقة، اليوم تكون صائبة، غدا يأتي نقضيها

سعاد: غريبة أنت، في اللقاء الاول تتحدثين عن شغفك بالاساطير، والان أرى أنك من أتباع إنشتاين ونيوتن

رشا: هذه المعجنات مصنوعة من الطحين والزيت والزعتر، ولها طريقة معينة ومحددة لتكون قابلة للأكل، العلم بالنسبة لي هو البحث عن أجوبة عن سؤال كيف، كيف يهطل المطر، كيف تخلق الاساطير، كيف تصنع المعجنات، كيف أصنع دواء للمرض

سعاد: وبعد الاجابة؟

رشا: أصبح قادرة أكثر على إيجاد حلول واقعية، حينها أصنع المعجنات داخل بيتي إن احتجت لها دون انتظار صاحب الفرن

سعاد: لكن هناك هدف وسبب، الجوع هو حاجة لدى الانسان والمعجنات تساهم في تلبيته!

رشا: العلم يساعد في معرفة كيف يجوع الانسان وكيف يتم تغذيته

تبدأ سعاد بالسير داخل غرفتها، تنظر إلى خريطة العالم المعلقة، تقول لها " هنا في افريقيا مجاعات، كيف حدثت السبب معروف، بالقلم والورقة والعدد والنتيجة، ما وظيفة العلم اكثر من ذلك؟"، " يصنع الادوية لمنع الامراض في القارة" تجاوبها رشا، " لكن الامراض مستمرة والفقر والالم"، تنحني رشا برأسها موافقة ولكن بسؤال ماذا تريدين القول، " الانسان هو المهم، كيف يستثمر العلم، إن كنت تبحثين في الاساطير أو الفقر أو الكون، ربما ستعودين دائما إلى الرغبة لدى الانسان وليس فقط الحاجة". " لو عرف سبب مرض خطيبي وصنع لها دواء، ربما ما كان رحل، كان لدي الرغبة والحاجة أن يبقى " تنهي رشا فطورها بهذه الكلمات.